كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


قال بعضهم‏:‏ ليس للمظلوم دواء أنفع له من الاستغفار لأن غالب عقوبات غير الأنبياء وكل ورثتهم إنما هي من أثر غضب الحق وإن لم يشعر بسببه وليس لمن أغضب ربه دواء كالاستغفار فإذا أكثر منه إلى الحد الذي يطغى الغضب الإلهي العارض له ذهبت العقوبة لوقتها قال بعض الأكابر‏:‏ وقد علمت هذا لكثير من أهل الحبوس وقلت اجعلوا وردكم الاستغفار ليلاً ونهاراً فأسرع خروجهم وعدم رؤية العبد لذنبه بنحو قوله حبست ظلماً تطيل حبسه ولا يخفى أن عقوبة أهل اللّه أشد من عقوبة غيرهم بل ربما كان غير أهل اللّه لا يعدون ما يقع به أهل اللّه ذنباً بالكلية، والقاعدة أن كل من عظمت مرتبته عظمت صغيرته فربما يتناول أحدهم شهوة مباحة مرة واحدة فتقطع يده وربما يسرق غيره نصاباً أو أكثر فلا تقطع يده وحسنات الأبرار سيئات المقربين‏.‏

- ‏(‏طب عن أبي موسى‏)‏ الأشعري رمز لحسنه وفيه أبو داود مغيرة الكندي قال في الميزان‏:‏ قال البخاري‏:‏ يخالف في حديثه أورد له هذا الخبر‏.‏

‏[‏ص 422‏]‏ 7821 - ‏(‏ما أصبنا من دنياكم إلا نساءكم‏)‏ أي والطيب كما يفيده قول عائشة كان يعجبه ثلاث الطيب والنساء والطعام فأصاب اثنين ولم يصب واحد‏:‏ أصاب النساء والطيب ولم يصب الطعام رواه الدمياطي في سيرته وأضاف النساء إليهم إشارة لحقارتها وعدم مبالاته بها والتفاته إليه وأنه كمجبور على حبها لما يترتب على النكاح من الفوائد، فعلم أن ترك النكاح ليس من الزهد لأن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم سيد الزاهدين ولم يتركه وقال الغزالي‏:‏ قال ابن عيينة‏:‏ كان علي كرم اللّه وجهه أزهد الصحابة وكان له أربع نسوة وبضع عشرة سرية واللذة اللاحقة للإنسان فيما هو من ضرورة الوجود لا تضر في الزهد إذا لم تكن في المطلب والمقصد‏.‏

- ‏(‏طب‏)‏ وكذا الأوسط ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب رمز لحسنه قال الهيثمي‏:‏ رواه من حديث زكريا بن إبراهيم عن أبيه عن ابن عمر ولم أعرفهما وبقية رجاله ثقات‏.‏

7822 - ‏(‏ما أصر‏)‏ أي ما أقام على الذنب ‏(‏من استغفر‏)‏ أي تاب توبة صحيحة لأن التوبة شروطها ترفع الذنوب كلها حتى الشرك وإن عاد في اليوم سبعين مرة فإن رحمته لا نهاية لها ولا غاية فذنوب العالم كلها متلاشية عند حلمه وعفوه إذ لو بلغت ذنوب العبد ما عسى أن تبلغ ثم استقال منها بالاستغفار غفرت له لأنه طلب الإقالة من كريم والكريم محل لإفالة العثرات وغفر الزلات لكن الاستغفار التام المتسبب عنه المغفرة هو ما قارنه عدم الإصرار لأنه حينئذ توبة نصوح وأما مع الإصرار فهو مجرد دعاء قال الغزالي‏:‏ فإن قلت كيف يكون الاستغفار نافعاً من غير حل عقدة الإصرار وفي خبر المستغفر من ذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ وكان بعضهم يقول استغفر اللّه من قولي أستغفر اللّه وقيل الاستغفار باللسان توبة الكذابين قلنا الذي هو توبة الكذابين هو الاستغفار بمجرد اللسان بدون شركة للقلب فيه كما يقول بحكم العادة وعند رأس الغفلة استغفر اللّه من غير تأثير لقلبه فإنه يرجع بمجرد حركة اللسان ولا جدوى له فإن انضاف له تضرع القلب وابتهاله في سؤاله المغفرة عن خلوص رغبته فهذه حسنة في نفسها تصلح لدفع السيئة بها وعليه يحمل قوله في هذا الخبر ما أصر إلخ فهذا عبارة عن الاستغفار بالقلب‏.‏ وللتوبة والاستغفار درجات وأوائلها لا يخلو عن فائدة وإن لم ينته إلى آخرها ولذلك قال سهل‏:‏ لا بد للعبد في كل حال من مولاه فأحسن الرجوع إليه في كل شيء فإن قال يا رب استر علي فإذا فرغ من المعصية قال يا رب تب علي فإذا تاب قال يا رب اعصمني فإذا عمل قال تقبل مني وسئل عن الاستغفار الذي يكفر الذنب فقال‏:‏ أول الاستغفار الإجابة ثم الإنابة ثم التوبة، فالاستجابة إعمال الجوارح والإنابة إعمال القلب والتوبة إقباله على مولاه بأن يترك الخلق ويستغفر من تقصيره ومن الجهل بالنعمة وترك الشكر فعند ذلك يغفر له ثم انتقل إلى الانفراد ثم الثبات ثم البيان ثم القرب ثم المعرفة ثم المناجاة ثم المصافاة ثم الموالاة ثم المحادثة وهو الخلة ولا يستقيم هذا في قلب عبد حتى يكون العلم غذاءه والذكر قوامه والرضا زاده والتوكل صاحبه ثم ينظر اللّه إليه فيرفعه إلى العرش فيكون مقامه مقام حملة العرش، والحاصل أن للتكفير درجات فبعضها محو للذنب بالكلية وبعضها مخفف ويتفاوت ذلك بتفاوت درجات التوبة فالاستغفار بالقلب والتدارك بالحسنات وإن خلا عن حل عقدة الإصرار من أوائل الدرجات ولا يخلو عن فائدة فلا ينبغي أن يظن أن وجودها كعدمها قال‏:‏ بل أقول الاستغفار باللسان فقط حسنة أيضاً إذ حركة اللسان به عن غفلة خير من حركته في تلك الساعة بغيبة أو فضول بل خير من السكوت فيظهر فضله بالإضافة إلى السكوت عنه وإنما يكون نقصاً بالإضافة إلى عمل القلب ولهذا قال بعضهم لأبي عثمان المغربي‏:‏ لساني يجري بالذكر والقرآن وقلبي غافل فقال اشكر اللّه الذي استعمل جارحة من جوارحك في خير وعوده الذكر لا الفضول‏.‏

قال الراغب‏:‏ قد يستحسن في بعض الأحوال التغابي عن المصر، سمع رجل حكيماً يقول ذنب الإصرار أولى بالاغتفار فقال صدقت ليس فضل من عفا عن السهو القليل كمن عفا عن العمد الجليل‏.‏

- ‏(‏د ت عن أبي بكر‏)‏ الصديق قال الترمذي‏:‏ غريب ‏[‏ص 423‏]‏ وليس إسناده بقوي قال الزيلعي‏:‏ إنما لم يكن قوياً لجهالة مولى أبي بكر الراوي عنه لكن جهالته لا تضر إذ يكفيه نسبته إلى الصديق اهـ‏.‏ وأقول‏:‏ فيه أيضاً عثمان بن واقد ضعفه أبو داود نفسه‏.‏

7823 - ‏(‏ما أصيب عبد بعد ذهاب دينه بأشد من ذهاب بصره‏)‏ لأن الأعمى كما قيل ميت يمشي على وجه الأرض ‏(‏وما ذهب بصر عبد فصبر إلا دخل الجنة‏)‏ أي مع السابقين أو من غير حساب أو من غير سبق عذاب كما لا يخفى‏.‏

- ‏(‏خط عن بريدة‏)‏ بن الحصيب وفيه محمد بن إبراهيم الطرسوسي، قال الحاكم‏:‏ كثير الوهم اهـ‏.‏ ورواه الديلمي أيضاً وفيه إبراهيم المذكور‏.‏

7824 - ‏(‏ما أطعمت زوجتك فهو لك صدقة وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة وما أطعمت نفسك فهو لك صدقة‏)‏ إن نواها في الكل كما دل عليه تقييده في الخبر الصحيح بقوله وهو يحتسبها فيحمل المطلق على المقيد قال القرطبي‏:‏ أفاد منطوقه أن الأجر في الإنفاق إنما يحصل بقصد القربة سواء كانت واجبة أو مباحة وأفاد مفهومه أن من لم يقصد القربة لا يؤجر لكن تبرأ ذمته من النفقة الواجبة لأنها معقولة المعنى وأطلق الصدقة على النفقة مجازاً والمراد بها الأجر والقرينة الصارفة عن الحقيقة الإجماع على جواز النفقة على الزوجة الهاشمية التي حرمت عليها الصدقة‏.‏

- ‏(‏حم طب عن المقدام بن معد يكرب‏)‏ قال الهيثمي‏:‏ رجاله ثقات وقال المنذري بعد ما عزاه لأحمد‏:‏ إسناده جيد وبه يعرف أن رمز المؤلف لحسنه تقصير وأنه كان الأولى الرمز لصحته‏.‏

7825 - ‏(‏ما أظلت الخضراء‏)‏ أي السماء، قال الزمخشري‏:‏ وتسمى الجرباء والرقيع والبلقع ‏(‏ولا أقلت الغبراء‏)‏ أي حملت الأرض ‏(‏من ذي لهجة‏)‏ بفتح الهاء أفصح من سكونها ذكره الزمخشري ‏(‏أصدق من أبي ذر‏)‏ مفعول أقلت، يريد به التأكيد والمبالغة في صدقه يعني هو متناه في الصدق لا أنه أصدق من غيره مطلقاً إذ لا يصح أن يقال إنه أصدق من الصديق قال الطيبي‏:‏ من في من ذي لهجة زائدة وذي لهجة معمول أقلت وقد تنازع فيه العاملان فأعمل الثاني وهو مذهب البصريين وهذا دليل ظاهر لهم اهـ‏.‏ واسم أبي ذر جندب بن جنادة غفاري يجتمع مع المصطفى صلى اللّه عليه وسلم في كنانة، قيل‏:‏ قال‏:‏ أنا رابع الإسلام، أسلم قديماً، قال علي‏:‏ وعاء مليء علماً ثم أوكيء عليه، مات بالربذة سنة إحدى أو ثنتين وثلاثين وفيه جواز الكناية بإضافة الرجل لولده قال ابن أبي جمرة‏:‏ وأما الكناية التي لا تجوز هي ما أحدث اليوم من التسمية بالدين فذلك لا يسوغ لأنه قد يكون كذباً والكاذب متعمداً عليه من الوعيد ما قد علم من قواعد الشرع وما جاء فيه بالنص وإن كان ما قيل حقاً فأقل ما يكون مكروهاً لمخالفة السنة في ذلك لخبر مسلم أن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم تزوج جويرية فوجد اسمها برة فكرهه وقال‏:‏ لا تزكوا أنفسكم ثم سماها جويرية‏.‏

- ‏(‏حم ت ه ك في المناقب عن ابن عمرو‏)‏ بن العاص قال الذهبي‏:‏ سنده جيد وقال الهيثمي‏:‏ رجال أحمد وثقوا وفي بعضهم خلاف اهـ‏.‏ ورواه ابن عساكر عن علي قال‏:‏ قالوا لعلي‏:‏ حدثنا عن أبي ذر قال‏:‏ ذاك أمر سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر طلب شيئاً من الزهد عجز عنه الناس اهـ‏.‏

‏[‏ص 424‏]‏ 7826 - ‏(‏ما أعطي‏)‏ بضم الهمزة مبني للمفعول ونائب الفاعل ‏(‏أهل بيت الرفق إلا نفعهم‏)‏ بقيته عند أبي نعيم ولا منعوه إلا ضرهم اهـ بحروفه‏.‏

- ‏(‏طب عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب قال المنذري‏:‏ إسناده جيد وقال الهيثمي‏:‏ رجاله رجال الصحيح غير إبراهيم بن الحجاج الشامي وهو ثقة‏.‏

7827 - ‏(‏ما أعطى الرجل امرأته فهو صدقة‏)‏ أي إن قصد التقرب إلى اللّه تعالى كما تقرر فيما قبله‏.‏

- ‏(‏حم عن عمرو بن أمية‏)‏ بن خويلد ‏(‏الضمري‏)‏ بفتح المعجمة وسكون الميم وبالراء الكناني شهد أحداً مع المشركين ثم أسلم وأول مشاهده بئر معونة رمز لحسنه قال الحافظ الهيثمي‏:‏ فيه محمد بن أبي حميد وهو ضعيف‏.‏

7828 - ‏(‏ما أعطيت أمة من اليقين‏)‏ أي ما ملأ اللّه قلوب أمة نوراً شرح به صدورها لمعرفته تعالى ومجاهدة أنفسهم على سبيل الاستقامة عليها بحيث تصير الآخرة لهم كالمعاينة ‏(‏أفضل مما أعطيت أمتي ولا مساوياً لها فإن الأولين لم ينالوا ذلك إلا الواحد بعد الواحد وقد حبا اللّه سبحانه هذه الأمة بمزيد التأدب وقرب منازلهم غاية التقرب وسماهم في التوراة صفوة الرحمن وفي الإنجيل حلماء علماء أبراراً أتقياء كأنهم من الفقه أنبياء، فالفضل الذي أعطيته هذه الأمة النور الذي به انكشف الغطاء عن قلوبهم حتى صارت الأمور لهم معاينة ‏{‏قل إن الهدى هدى اللّه أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم‏}‏ قالوا‏:‏ واليقين يتفاوت على ثلاث مراتب علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين فعلم اليقين ما كان من طريق النظر والاستدلال وعين اليقين ما كان من طريق الكشف والنوال وحق اليقين أن يشاهد الغيوب كما يشاهد المرئيات مشاهدة عيان قال السري السقطي‏:‏ واليقين سكونك عند جولان الموارد في صدرك لتيقنك أن حزنك منها لا ينفعك ولا يرد عنك مقضياً‏.‏

قال بعضهم‏:‏ كان شجاع الكرماني يذهب إلى الغيطة فينام بين السباع الليل كله ليمتحن نفسه في اليقين فكانت تطوف حوله فلا تضره‏.‏

- ‏(‏الحكيم‏)‏ الترمذي ‏(‏عن سعيد بن منصور الكندي‏)‏‏.‏

7829 - ‏(‏ما أقفر من أدم‏)‏ بسكون القاف وفتح الفاء أي ما صار ذا قفار وهو الخبز بلا أدم ذكره الزمخشري ‏(‏بيت فيه خل‏)‏ ومنه أرض قفراء أي خالية من المارة أو لا ماء بها قال ابن الأثير‏:‏ أي ما خلا من الإدام ولا عدم أهله الأدم والخل من الأدم العامة المنافع وهو كثير المنافع ديناً ودنيا فإنه بارد يقمع حرارة الشهوة ويطفئها، وأخرج الحكيم أن عامة أدم أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم بعده الخل يقطع عنهن ذكر الرجال‏.‏

- ‏(‏طب حل عن أم هانئ‏)‏ قالت‏:‏ دخل عليَّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ أعندك شيء قلت‏:‏ لا إلا خبز يابس وخل فذكره وكان حق الجواب أن تقول بلى عندي خبز فعدلت عنه استعظاماً لشأنه، رأت أن مثل ذلك لا يقدم إلى مثله فلم تعدها بشيء ومن ثم حسنت المطابقة بقوله ما أقفر إلخ ثم قال أبو نعيم غريب من حديث أبي بكر بن عياش عن أبي جمرة الثمالي واسمه ثابت بن أبي ضعنة ‏(‏الحكيم‏)‏ الترمذي عن ‏(‏عائشة‏)‏ رمز لحسنه وظاهر صنيع المصنف أن ذا مما لم يخرجه أحد من الستة والأمر بخلافه فقد خرجه الترمذي في الأطعمة عن أم هانئ أيضاً‏.‏

7830 - ‏(‏ما اكتسب مكتسب مثل فضل علم يهدي صاحبه إلى هدى‏)‏ كتقوى وصبر وشكر ورجاء وخوف وزهد وقناعة ‏[‏ص 425‏]‏ وسخاء وحسن خلق وصدق إخلاص وغير ذلك ‏(‏ويرده عن ردى‏)‏ كغل وحقد وحسد وغش وخيانة وكبر وبخل ومداهنة وطول أمل وقسوة قلب وقلة حياء ورحمة إلى غير ذلك ‏(‏ولا استقام دينه حتى يستقيم عقله‏)‏ هذا لفظ رواية الكبير ولفظ رواية الصغير الذي عزى إليها المؤلف علمه بدل عقله كما قال المنذري انتهى‏.‏ وذلك بأن يعقل عن اللّه أمره ونهيه لأن العقل منبع العلم وأسه والعلم يجري منه مجرى الثمر من الشجر والنور من الشمس والرؤية من العين وكيف لا يشرف ما هو وسيلة للسعادة في الدارين‏؟‏ ولهذا ورد في خبر إن لكل شيء دعامة ودعامة المؤمن عقله فبقدر عقله تكون عبادته، أما سمعت قول الفجار ‏{‏لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير‏}‏ قال الماوردي‏:‏ إن لكل فضيلة أساً ولكل أدب ينبوعاً وأس الفضائل وينبوع الأدب هو العقل جعله اللّه للدين أصلاً وللدنيا عماداً فأوجب التكليف بكماله وجعل الدنيا مدبرة بأحكامه وألف بين خلقه مع اختلاف زمانهم وتباين أغراضهم وجعل ما تعبدهم قسمين قسم وجب بالعقل فأكد بالشرع وقسم جاز في العقل فأوجبه الشرع فكان العقل عليهما معياراً‏.‏

- ‏(‏طص عن عمر‏)‏ بن الخطاب رضي اللّه عنه قال الهيثمي والعلائي‏:‏ فيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف اهـ‏.‏ وقال المنذري‏:‏ رواه في الصغير والكبير وإسنادهما متقارب وخرجه البيهقي من هذا الوجه وقال‏:‏ هو إسناد ضعيف‏.‏

7831 - ‏(‏ما أكرم شاب شيخاً لسنه‏)‏ أي لأجل سنه لا لأجل أمر آخر ‏(‏إلا قيض اللّه له‏)‏ أي سبب وقدر، يقال هذا قيض لهذا وقياض له أي سيَّاق له ‏(‏من يكرمه عند سنه‏)‏ مجازاة له على فعله بأن يقدر له عمراً يبلغ به إلى الشيخوخة ويقدر له من يكرمه ذكره الطيبي وأصله قول ابن العربي‏:‏ قال العلماء‏:‏ فيه دليل على طول العمر لمن أكرم المشيخة وقد دخل السرقسطي العربي مجلساً وقد أكل منه الكبر وشرب وله هرولة في مشيه فتغامز عليه الأحداث فأنشأ يقول‏:‏

يا عائباً للشيوخ من أشر * داخله الصبا ومن بذخ

اذكر إذا شئت أن تغشيهم * جدك واذكر أباك يا ابن أخ

واعلم بأن الشباب منسلخ * عنك وما وزره بمنسلخ

من لا يعز الشيوخ لا بلغت * يوماً به سنه إلى الشيخ

- ‏(‏ت‏)‏ في البر ‏(‏عن أنس‏)‏ بن مالك وقال‏:‏ حسن فتبعه المصنف فرمز لحسنه ولا يوافق عليه فقد قال ابن عدي‏:‏ هذا حديث منكر وقال الصدر المناوي‏:‏ وفيه يزيد بن بنان العقيلي عن أبي الرجال خالد بن محمد الأنصاري ويزيد ضعفه الدارقطني وغيره وأبو الرحال واه، قال البخاري‏:‏ عنده عجائب وعلق له وقال الحافظ العراقي‏:‏ حديث ضعيف فيه أبو الرحال ضعيف وقال السخاوي‏:‏ ضعيف لضعف يزيد وشيخه‏.‏

7832 - ‏(‏ما أكفر رجل رجلاً قط إلا باء بها‏)‏ أي رجع بإثم تلك المقالة ‏(‏أحدهما‏)‏ إما القائل إن اعتقد بكفر مسلم باطلاً أو الآخر إن صدق القائل‏.‏

- ‏(‏حب عن أبي سعيد‏)‏‏.‏

7833 - ‏(‏ما أكل أحد‏)‏ زاد الإسماعيلي من بني آدم ‏(‏طعاماً قط خيراً‏)‏ بالنصب صفة لمصدر محذوف أي أكلاً خيراً كذا في المصابيح وفي رواية خير بالرفع أي هو خير ‏(‏من أن يأكل من عمل يده‏)‏ فيكون أكله من طعام ليس من كسب يده منفي التفضيل على أكله من كسب يده ويحتمل كونه صفة لطعاماً فيحتاج لتأويل أيضاً إذ الطعام في هذا التركيب مفضل على نفس أكل الإنسان من عمل يده بحسب الظاهر وليس مراداً فيقال في تأويله الحرف المصدري وصلته ‏[‏ص 426‏]‏ بمعنى مصدر من أراد المفعول أي من مأكوله من عمل يده وقوله يده بالإفراد وفي رواية بالتثنية ووجه الخير ما فيه من إيصال النفع إلى الكاسب وغيره والسلامة عن البطالة المؤدية إلى الفضول وكسر النفس به والتعفف عن ذل السؤال وفيه تحريض على الكسب الحلال وهو متضمن لفوائد كثيرة منها إيصال النفع لآخذ الأجرة إن كان العمل لغيره وإيصال النفع إلى الناس بتهيئة أسبابهم من نحو زرع وغرس وخياطة وغير ذلك ومنها أن يشتغل الكاسب به فيسلم عن البطالة واللهو ومنها كسر النفس به فيقل طغيانها ومرحها ومنها التعفف عن ذل السؤال والاحتياج إلى الغير وشرط المكتسب أن لا يعتقد الرزق من الكسب بل من الرزاق ذي القوة ثم أكد ذلك وحرض عليه وزاده تقريراً بقوله ‏(‏وإن نبي اللّه داود كان يأكل من عمل يده‏)‏ في الدروع من الحديد ويبيعه لقوته وخص داود لكون اقتصاره في أكله على عمل يده لم يكن لحاجة لأنه كان خليفة في الأرض بل أراد الأفضل وفيه أن الكسب لا ينافي التوكل وأن ذكر الشيء بدليله أوقع في النفس وجواز الإجارة إذ عمل اليد أعم من كونه لغيره أو نفسه‏.‏

- ‏(‏حم خ‏)‏ في البيع ‏(‏عن المقدام‏)‏ بن معد يكرب ولم يخرجه مسلم‏.‏

7834 - ‏(‏ما التفت عبد قط في صلاته إلا قال له ربه أين تلتفت يا ابن آدم أنا خير لك مما تلتفت إليه‏)‏ فالالتفات في الصلاة بالوجه مكروه وبالصدر حرام مبطل لها‏.‏ قال ابن عطاء اللّه‏:‏ إقبالك على غير اللّه إفراد له بالعبادة وكيف يرضى أن تعبد غيره ولكن ثم آذان عن استماع الحق مسدودة وأذهان عن تدبره مصدودة‏.‏

- ‏(‏هب عن أبي هريرة‏)‏ وكذا الحاكم في التاريخ وعنه أورده البيهقي فلو عزاه المصنف له كان أولى‏.‏

7835 - ‏(‏ما أمرت بتشييد المساجد‏)‏ أي ما أمرت برفع بنائها ليجعل ذريعة إلى الزخرفة والتزيين الذي هو من فعل أهل الكتاب وفيه نوع توبيخ وتأنيب قال البغوي‏:‏ التشييد رفع البناء وتطويله وإنما زخرفت اليهود والنصارى معابدها حين حرفوا كتبهم وبدلوها قال ابن بطال وغيره‏:‏ فيه دلالة على أن السنة في بنيان المساجد القصد وترك الغلو في تحسينه وقد كان عمر مع كثرة الفتوح في أيامه وسعة المال عنده لم يغير المسجد عما كان عليه وأول من زخرف المساجد الوليد بن عبد الملك وسكت كثير من السلف عنه خوف الفتنة لكن رخص فيه أبو حنيفة إذا قصد فيه تعظيم المسجد إذا وقع الصرف فيه من غير بيت المال‏.‏

- ‏(‏د عن ابن عباس‏)‏ وسكت عليه هو والمنذري‏.‏

7836 - ‏(‏ما أمرت كلما بلت أن أتوضأ‏)‏ أي أستنجي بالماء وفي لفظ في بعض طرق الحديث إني لم أومر أن أتوضأ كلما بلت ‏(‏ولو فعلت‏)‏ ذلك ‏(‏لكان سنة‏)‏ أي طريقة واجبة لازمة لأمتي فيمتنع عليهم الترخص باستعمال الحجر ويلزم الحرج ‏{‏وما جعل عليكم في الدين من حرج‏}‏ وهذا قاله لما بال فقام عمر خلفه بكوز من ماء فقال‏:‏ ما هذا قال‏:‏ ماء تتوضأ به وما ذكر من حمل الوضوء فيه على المعنى اللغوي هو ما فهمه أبو داود وغيره فبوَّبوا عليه وهو مخالف للظاهر بلا ضرورة والظاهر كما قاله الولي العراقي حمله على الشرعي المعهود فأراد عمر أن يتوضأ عقب الحدث فتركه المصطفى صلى اللّه عليه وسلم تخفيفاً وبياناً للجواز، لا يقال قول المصطفى صلى اللّه عليه وسلم لو فعلت إلخ يقتضي كونه غير سنة لكونه لم يفعله مع أنه سنة بدليل قول المصطفى صلى اللّه عليه وسلم لبلال لما قال ما أحدثت قط إلى توضأت بهذا بلغت الحديث لأنا نقول المراد بالسنة هنا الشرع المتلقى عن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم مما ليس في القرآن أعم من كونه واجباً أو مندوباً فنحمله على الوضوء لأن الندب حاصل فمعناه لو واظبت على الوضوء عقب الحدث لزم الأمة اتباعي أو معناه لو فعلت ذلك ‏[‏ص 427‏]‏ لواظبت عليه وربما تعذرت المواظبة وفيه جواز القرب من قاضي الحاجة لنحو ذلك وخدمة الأكمل بإحضار ماء للطهر ونحوه وإن كان الخادم كاملاً وأنه لا يعد خللاً في منصبه بل شرفاً وأنه لا يجب الوضوء بنفس الحدث فوراً بل بإرادة القيام إلى نحو الصلاة ووجوب الاقتداء بأفعاله كأقواله وأن حكم الفعل في حقنا كهو في حقه إن واجباً فواجب وإن مندوباً فمندوب وإن مباحاً فمباح ووجوب اتباع فعله حتى يدل دليل الوجوب وأن له الاجتهاد فيما لم ينزل عليه وحي فإنه قال ما أمرت كلما بلت أن أتوضأ ولو فعلت كانت سنة أي مع كوني ما أمرت بذلك ولو فعلته صار شرعاً وأن الأمر للوجوب فإنه علل عدم استعمال الماء بكونه لم يؤمر به فدل على أنه لو أمر به لفعله وأصل حل طهارة الآنية وحل استعمالها والعمل بالعادة الغالبة لأن عمر نظر إلى أن عادة المصطفى صلى اللّه عليه وسلم إدامة الطهارة فقام على رأسه بالماء قيل‏:‏ وتعين الماء للطهارة وهو في حيز المنع قيل‏:‏ وأنه لا بأس بالاستعانة في إحضار الماء للطهارة وهو زلل إذ المصطفى صلى اللّه عليه وسلم لم يطلب من عمر إحضار الماء بل رده‏.‏

- ‏(‏حم د ه‏)‏ من حديث أبي يعقوب التوءم عن ابن أبي مليكة عن أبيه ‏(‏عن عائشة‏)‏ قالت‏:‏ بال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فاتبعه عمر بكوز ماء فذكره وذكره النووي في الخلاصة في فصل الضعيف وقال في شرح أبي داود‏:‏ ضعيف لضعف عبد اللّه بن يحيى التوءم لكن قال الولي العراقي في المختار‏:‏ إنه حديث حسن‏.‏

7837 - ‏(‏ما أمعر حاج قط‏)‏ أي ما افتقر، من معر الرأس قل شعره وأرض معرة مجدبة ذكره الزمخشري‏.‏

- ‏(‏هب‏)‏ من حديث محمد بن أبي حميد عن ابن المنكدر ‏(‏عن جابر‏)‏ وظاهر صنيع المصنف أن مخرجه البيهقي خرجه وسكت عليه وليس كذلك بل عقبه ببيان حاله فقال‏:‏ ومحمد بن أبي حميد ضعيف هذا لفظه وكما أن المصنف لم يصب في إسقاط ذلك من كلامه لم يصب حيث اقتصر على عزوه للبيهقي مع أن الطبراني في الأوسط والبزار خرجاه بسند رجاله رجال الصحيح كما بينه الهيثمي‏.‏

7838 - ‏(‏ما أنت محدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان على بعضهم فتنة‏)‏ لأن العقول لا تحتمل إلا على قدر طاقتها فإن أزيد على العقل فوق ما يحتمله استحال الحال من الصلاح إلى الفساد ومن ثم ورد في خبر عند الحكيم إن للّه سراً لو أفشاه لفسد التدبير وللملوك سراً لو أفشوه لفسد ملكهم وللأنبياء سراً لو أفشوه لفسدت نبوتهم وللعلماء سراً لو أفشوه فسد علمهم فواجب على الحكيم والعالم النحرير الاقتداء بالمصطفى صلى اللّه عليه وسلم في قوله أنزلوا الناس منازلهم وقد قال عيسى‏:‏ لا تضعوا الحكمة في غير أهلها فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم وكن كالطبيب الحاذق يضع دواءه حيث يعلم أنه ينفع ومن ثم قيل‏:‏ تصفح طلاب حكمك كما تتصفح خطاب حرمك وبهذا ألم أبو تمام حيث قال‏:‏

وما أنا بالغيران ممن دون جارتي * إذا أنا لم أصبح غيوراً على العلم

وقيل لحكيم‏:‏ ما بالك لا تطلع كل أحد على حكمة يطلبها منك فقال‏:‏ اقتداء بالباري تعالى حيث قال‏:‏ ‏{‏ولو علم اللّه فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون‏}‏ فتبين أنه منعهم لما لم يكن فيهم خير وبين أن في إسماعهم ذلك مفسدة لهم قال حجة الإسلام‏:‏ ومن ذلك ما أحدثه بعض المتصوفة ممن تركوا فلاحتهم وأتوا بكلمات غير مفهومة يسمونها الشطح فيها عبارات هائلة وليس وراءها طائلة أو تكون مفهومة لكن لا يقدر على تفهيمها وإيرادها بعبارة تدل على ضميره لقلة ممارسته للعلم وجهله بطرق التعبير عن المعاني بالألفاظ الرشيقة فلا فائدة لذلك إلا أنه يشوش القلوب ويدهش العقول ويحير الأذهان‏.‏

- ‏(‏ابن عساكر‏)‏ في تاريخه ‏(‏عن ابن عباس‏)‏‏.‏

‏[‏ص 428‏]‏ 7839 - ‏(‏ما أنزل اللّه‏)‏ يعني ما أحدث ‏(‏داء إلا أنزل له شفاء‏)‏ أي ما أصاب أحداً بداء إلا قدر له دواء وقد مر معنى هذا الخبر غير مرة غير أنه ينبغي التنبيه لشيء وهو أنه اختلف في معنى الإنزال فقيل‏:‏ إنزاله إعلامه عباده ومنع بأن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم أخبر بعموم الإنزال لكل داء ودوائه وأكثر الخلق لا يعلمون ذلك كما يصرح به خبر علمه من علمه وجهله من جهله ومثل إنزالهما إنزال أسبابهما من كل مأكل ومشرب وقيل‏:‏ إنزالهما خلقهما ووضعهما بالأرض كما يشير إليه خبر إن اللّه لم يضع داء إلا وضع له دواء وتعقب بأن لفظ الإنزال أخص من لفظ الخلق والوضع وإسقاط خصوصية الألفاظ بلا موجب غير لائق وقيل‏:‏ إنزالهما بواسطة الملائكة الموكلين بتدبير النوع الإنساني فإنزال الداء والدواء مع الملائكة وقيل‏:‏ عامة الأدواء والأدوية هي بواسطة إنزال الغيث الذي تتولد به الأغذية والأدوية وغيرهما وهذا من تمام لطف الرب بخلقه فلما ابتلى عباده بالأدواء أعانهم عليها بالأدوية وكما ابتلاهم بالذنوب أعانهم عليها بالتوبة والحسنات الماحية‏.‏